فصل: (فرع: كون الطواف سبعة أشواط وكراهية تسميته بغير اسمه)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:يحرم إخراج حصباء وتراب الحرم]

ولا يجوز إخراج تراب الحرم وحجارته.
وذهب بعض الناس إلى أنه يجوز.
دليلنا: ما روي عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر: أنه قال: (دخلنا على صفية بنت شيبة، فأهدت لنا قطعة من الركن إكراما لنا ـ هكذا ذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق" وأبو نصر في " المعتمد " وذكر في "المهذب": من الصفا - قال: فلما خرجنا مرضنا فقيل لنا: إنه لا يجوز إخراج شيء من الحرم، قال: وكنت أمثلهم فأخذته ورددته إليها فلما رجعت إليهم.. قالوا: ما هو إلا أن رددته فكأنما أنشطنا من عقل) فدل على: أنه لا يجوز؛ لأنه أخبر عن بعض أهل العلم: أنهم أمروه برده.

.[فرع: إخراج ماء زمزم وإدخال التراب والأحجار من وإلى الحرم]

ويجوز إخراج ماء زمزم من الحرم؛ لما روي: «أن سهيل بن عمرو أهدى إلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راوية من ماء زمزم بالحديبية».
ولأن الماء يستخلف في العادة، بخلاف التراب والأحجار.
قال الشيخ أبو إسحاق: ولا يجوز إدخال شيء من تراب الحل وأحجاره إلى الحرم

.[مسألة:الحظر من صيد حرم المدينة]

قال الشافعي: (ولا يحرم قتل صيد إلا صيد الحرم، وأكره قتل صيد المدينة).
قال أصحابنا: هذه الكراهة كراهة تحريم.
قال ابن الصباغ: وهذا خلاف ظاهر كلامه، فكأنه يومئ إلى أنه يكره قتل صيد المدينة كراهة تنزيه.
وقال أبو حنيفة: (لا يحرم اصطياده ولا قتله).
ودليلنا: ما روى جابر: أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حرم إبراهيم مكة، وأنا حرمت المدينة، ما بين لابتيها: لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد».
فإن قتل صيدا في حرم المدينة.. ففيه قولان:
أحدهما قال في الجديد: (يأثم ولا جزاء عليه)، وهو الصحيح؛ لأنها بقعة يجوز دخولها بغير إحرام، فلم يضمن صيدها، كسائر البقاع.
والثاني: قال في القديم: (يسلب القاتل) - وبه قال أحمد بن حنبل - لما روي: «أن سعد بن أبي وقاص رأى رجلا قد اصطاد بالمدينة صيدا فأخذ سلبه، فأتاه موالي ذلك الرجل فسألوه أن يرد عليهم، فقال: لا أرد طعمة أطعمنيها رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ سمعت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من وجدتموه يقتل صيدا في حرم المدينة.. فاسلبوه " فإن أردتم ثمنه.. أعطيتكموه». هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 201] إذا قلنا بقوله القديم.. ففيه وجهان:
أحدهما: يجب فيه ما يجب بصيد حرم مكة.
والثاني: يسلب، وهو المشهور.
فإذا قلنا: يسلب.. فإنه يسلب كما يسلب المقتول من الكفار، فيؤخذ جميع ما عليه من الثياب والسلاح والفرس ويترك له ما يستر به عورته. وهل يؤخذ منه المنطقة والهميان والنفقة التي معه؟ فيه وجهان.
وإلى من يصرف ذلك السلب؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصرف إلى مساكين المدينة، كما يصرف جزاء صيد مكة إلى مساكين مكة.
والثاني: يختص به السالب؛ لما ذكرناه من حديث سعد بن أبي وقاص.

.[مسألة:كراهة صيد واد وج]

قال الشافعي: (وأكره قتل صيد وج).
قال أصحابنا: وظاهر هذا: أنه كراهة تحريم؛ لما روى جابر: أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وج حرام محرم، لا ينفر صيده، ولا يعضد عضاهه».
فإن قتل صيدا فيه، أو قطع فيه شجرا.. لم يجب فيه الجزاء، ولم يسلب؛ لأنه لم يرو فيه شيء من ذلك، ولا يبلغ حرمة مكة والمدينة. و(وج): واد في الطائف.

.[مسألة:تصرف سائر الدماء لمساكين الحرم]

وإذا وجب على المحرم دم لأجل الإحرام، كدم التمتع والقران، ودم الطيب، أو جزاء الصيد.. وجب عليه صرفه إلى مساكين الحرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95].
فإن ذبح الهدي في الحرم وفرقه في الحرم.. فقد فعل ما وجب عليه. وإن ذبحه في الحل وفرقه في الحل.. لم يجزه؛ لأن الله تعالى قال: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]. وهذا لم يبلع الكعبة.
وإن ذبحه في الحرم وفرقه في الحل.. لم يجزه.
وقال أبو حنيفة: (يجزئه)
دليلنا: أنه أحد مقصودي الهدي، فاختص بالحرم كالذبح.
وإن ذبحه في الحل وفرقه في الحرم.. نظرت: فإن أوصله إليهم متغيرا.. لم يجزه؛ لأن المستحق إيصاله إليهم كاملا. وإن أوصله إليهم غير متغير.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو إسحاق، وحكاهما الشيخ أبو حامد في "التعليق" قولين:
أحدهما: لا يجزئه؛ لأن إراقة الدم في الحرم مقصودة، كما أن التفرقة مقصودة، ثم ثبت أنه لو لم يفرق اللحم في الحرم.. لم يجزه، فكذلك الذبح.
والثاني: يجزئه؛ لأن المقصد من ذبحه بالحرم إيصال اللحم إليهم غضا طريا وقد وجد ذلك.
وإن وجب عليه إطعام... وجب عليه صرفه إلى مساكين الحرم، قياسا على الهدي.
وإن وجب عليه صوم.... جاز له أن يصومه في كل مكان؛ لأنه لا منفعة لأهل الحرم بصومه فيه.
وإن وجب عليه هدي فيه، فأحصر عن الحرم.. جاز له أن يذبحه ويفرقه حيث أحصر؛ لـ: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أحصره المشركون بالحديبية عن مكة.. نحر فيها هديه، وأمر أصحابه فنحروا فيها»، وبين الحديبية وبين مكة ثلاثة أميال. ولأنه موضع تحلله فأشبه الحرم. وبالله التوفيق.

.[باب صفة الحج والعمرة]

لا يكره دخول مكة ليلا.
وقال النخعي وإسحاق: الأولى أن يدخلها نهارا.
وقال ابن جريج: سألت عطاء: أيجوز للمحرم أن يدخل مكة ليلا؟ فقال: لا؛ لـ: أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلها حين ارتفعت الشمس.
دليلنا: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلها في عمرة الجعرانة ليلا».
إذا ثبت هذا: فيستحب لمن أراد أن يدخل مكة أن يغتسل في طرفها؛ لما روي: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل بذي طوى»: وهو بطرف مكة. ولأن الناس يجتمعون الدخول، فسن له الغسل، كالجمعة. ويسن هذا الغسل للطاهر والحائض والنفساء؛ «لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة، وقد حاضت: «اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» وهذا مما يصنعه الحاج.
ويستحب أن يدخل مكة من ثنية كدى من أعلى مكة بالبطحاء، ويخرج من ثنية
كدى من أسفل مكة؛ لما روى جابر: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة من الثنية العليا،
وخرج من السفلى». هكذا ذكر عامة أصحابنا على الإطلاق.
وذكر المسعودي [في "الإبانة" ق \ 201] أن ذلك إنما يسن للمدني، ومن جاء من تلك الناحية؛ لـ: (أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل منها اتفاقا)، وأيضا: فإنه يشق على من جاء من غير تلك الناحية أن يدور إلى الثنية العليا ليدخل منها.
ويسن الدخول من باب بني شيبة: وهو الباب الأعظم لمن جاء من تلك الناحية ومن غيرها؛ لأنه لا يشق عليه أن يدور إليه.
فإذا رأى البيت.. فالمستحب: أن يدعو؛ لما روى أبو أمامة: أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تستجاب دعوة المسلم عند رؤيته الكعبة».
قال الشيخان - أبو حامد وأبو إسحاق -: ويستحب أن يرفع يديه في الدعاء عند رؤية البيت؛ لما روي: أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواضع: عند رؤية البيت، وعلى الصفا، والمروة، وفي الصلاة، وفي الموقف، وعند الجمرتين». هكذا ذكره الشيخ أبو حامد في "التعليق".
وذكر ابن الصباغ: أن الشافعي قال في " الإملاء ": (لا أكرهه، ولا أستحبه، ولكن إن فعله.. كان حسنا). وكان مالك لا يرى ذلك لما روي: أنه سئل جابر عن ذلك، فقال: «ما يفعله إلا اليهود وقد حججنا مع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يفعله».
ودليلنا: الخبر الأول؛ لأنه مثبت، وحديث جابر في ذلك ناف، والمثبت أولى من النافي.
إذا ثبت هذا: فيستحب أن يقول إذا رأى البيت: «اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه، ممن حجه أو اعتمره، تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا " ونقل المزني: (ومهابة).
قال سائر أصحابنا: وهو غلط، بل نص الشافعي في "الأم" [2/144]:
(وبرا)، وهو أليق؛ لأن المهابة للبيت، والبر للإنسان؛ لما روى ابن جريج: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رأى البيت.. رفع يديه، وقال ذلك».
والمستحب: أن يضيف إلى ذلك: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام)، لما روي عن سعيد بن المسيب: أنه كان يقول ذلك. وهو ممن لقي كبار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

.[مسألة:استحباب الدخول من باب بني شيبة]

وطواف القدوم وطواف المرأة ليلاويستحب أن يدخل من باب بني شيبة، ويبتدئ بطواف القدوم؛ لما روى جابر: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة عند ارتفاع الضحى، فأناخ راحلته عند باب بني شيبة ودخل منه، فأتى الحجر واستلمه بيده وقبله، ورمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم استلمه بيديه جميعا، ومسح بهما وجهه) ووقف ودعا، وفاضت عيناه بالدموع، ثم التفت فرأى عمر بن الخطاب يبكي، فقال: «يا عمر هاهنا تسكب العبرات». ولأن طواف القدوم تحية البيت، فاستحب البداية به، كتحية المسجد. فإن اتفق ما هو أهم من الطواف، مثل: أن يدخل وقد أقيمت الجماعة.. بدأ بالجماعة، وكذلك إن كان عليه قضاء فائتة.. بدأ بها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة، أو نسيها.. فليصلها إذا ذكرها؛ فذلك وقتها». وكذلك إذا خاف فوات وقت فريضة أو سنة مؤكدة.... بدأ بها؛ لأنها تفوت، والطواف لا يفوت.
وقال الشافعي: (وإن كانت امرأة ذات حظوة وجمال.. أحببت لها أن تطوف ليلا). فمن أصحابنا من قال: أراد طواف القدوم، فأما طواف الإفاضة: فإنه يكون يوم النحر، فلا تؤخره.
ومنهم من قال: بل أراد طواف الإفاضة، فأما طواف القدوم: فإنه تحية، وإنما يؤتى بالتحية عقيب القدوم، كتحية المسجد، وإذا أخرها.. كانت صلاة مستأنفة لا تحية.
إذا ثبت هذا: فإن طواف القدوم سنة، إذا تركه.. لم يجب عليه شيء، هذا هو المشهور.
وحكى أبو علي السنجي: إذا قلنا: يجب الدم بترك طواف الوداع.. فهل يجب بترك طواف القدوم؟ فيه قولان، خرجهما بعض الأصحاب:
أحدهما: يجب عليه الدم. وهو قول أبي ثور: لأنه يتعلق بحرمة البيت ابتداء، كما يتعلق طواف الوداع بحرمته انتهاء.
والثاني: لا يجب عليه شيء، وهو الصحيح؛ لأن هذا تحية، فلم يجب بتركه شيء، كتحية المسجد.

.[فرع: شروط الطواف]

لا يصح الطواف إلا بالطهارة عن الحدث والنجس، وستر العورة، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: (الطهارة ليست بشرط في الطواف، فإن طاف بغير طهارة... صح طوافه، ويجبره بالدم).
دليلنا: ما روت عائشة: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراد أن يطوف.. توضأ، ثم طاف»، وقال: «خذوا عني مناسككم» قلنا: منه دليلان:
أحدهما: أن الله تعالى أمر بالطواف مجملا فبين النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيفية المجمل في الآية، فدل على: أن المراد بالطواف المذكور في الآية هو الطواف بالطهارة.
والثاني: قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خذوا عني مناسككم» وهذا أمر بما فعله.
وروى ابن عباس: أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه النطق، فمن نطق.. فلا ينطق إلا بخير».
ولم يرد: أنه صلاة في اللغة، وإنما أراد به: أنه صلاة في الشرع؛ لأنه بعث لبيان الشرع، فإن أراد: أنه يسمى في الشرع صلاة.. فقد أجمعنا: أن الصلاة لا تصح إلا بطهارة، وإن أراد: أن حكمه حكم الصلاة دون التسمية.. فمن حكم الصلاة: أنها لا تصح إلا بطهارة.
والدليل - على أن ستر العورة شرط فيه -: ما روي: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا بكر الصديق إلى مكة فنادى: ألا لا يطوفَنَّ بالبيت مشرك ولا عريان».

.[فرع: الحدث في الطواف]

فإن أحدث في أثناء الطواف.. نظرت: فإن كان عامدا.. ففيه وجهان:
أحدهما قال القاضي أبو الطيِّب: تبطل طهارته وما مضى من طوافه، كما إذا أحدث في الصلاة عامدا.
والثاني: قال الشيخ أبو حامد: تبطل طهارته ولا يبطل ما مضى من طوافه، فإن كان الماء قريبا منه.. توضأ وبنى على طوافه، وإن كان الماء بعيدا منه.. فهل يبني على ما مضى من الطواف أو يستأنفه.. فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (يستأنف)؛ لأنه عبادة تتعلق بالبيت، فأبطلها التفريق الكثير، كالصلاة.
والثاني: قال في الجديد: (يبني على ما مضى من طوافه)؛ لأنها عبادة لا يبطلها التفريق القليل، فلم يبطلها التفريق الكثير كالزكاة، وعكسه الصلاة.
وإن سبقه الحدث في الطواف فإن قلنا: إذا سبقه الحدث في الصلاة لا تبطل
صلاته.. قال الشيخ أبو حامد: فإنه يتوضأ ويبني على طوافه بكل حال. وإن قلنا: إن صلاته تبطل إذا سبقه الحدث.. كان كما لو تعمد الحدث في الطواف، فإن كان الماء قريبا.. توضأ وبنى، وإن كان بعيدا.. فعلى قولين كما مضى.

.[فرع: تيقن الحدث في طواف أحد النسكين ولم يعينه ووطئ بعد العمرة]

قال ابن الحداد: إذا أحرم بالعمرة وطاف لها وسعى وحلق، ثم أحرم بالحج ووقف بعرفة وطاف وسعى، ثم تيقن أنه ترك الطهارة في أحد الطوافين ولم يعرفه بعينه.. فعليه أن يتوضأ، ثم يأتي بطواف وسعى، وعليه دم؛ لأنه إن ترك الطهارة في طواف العمرة.. لم يصح تحلله منها، فلما أحرم بالحج.. صار مدخلا للحج على العمرة قبل طواف، فيصح ويكون قارنا وعليه دم القران، وقد صح طوافه وسعيه للحج.
وإن كان ترك الطهارة في طواف الحج.. فقد صح تحلله من العمرة، فلما أحرم بالحج.. صار متمتعا، ولم يصح طوافه للحج ولا سعيه؛ لفقد الطهارة في الطواف، فيلزمه أن يطوف ويسعى؛ ليسقط الفرض عن ذمته بيقين، ويلزمه دم: إما للقران أو للتمتع، ولا يلزمه دم الحلق في العمرة؛ لأنه يشك في وجوبه.
فإن كانت بحالها، إلا أنه وطئ بعد فراغه من العمرة فإن قلنا: إن وطء الناسي لا يفسد الحج.. فالحكم فيه كالأولى.
وإن قلنا: إنه يفسد.. فيحتمل أنه ترك الطهارة في طواف العمرة، فقد فسدت وعليه بدنة، ولم يصح إحرامه بالحج، على المذهب. ويحتمل أنه ترك الطهارة في طواف الحج.. فقد صحت عمرته، ووجب عليه الطواف والسعي للحج. وإذا احتمل هذين.. لم تجب البدنة للشك في وجوبها، وهل تجب عليه شاة؟ فيه وجهان:
أحدهما: تجب؛ لأنها إما أن تجب بالحلاق أو بالتمتع.
والثاني: لا تجب: لجواز أن تفسد العمرة، فلم يصح التمتع. والأول أصح.
قال ابن الصباغ: قال أصحابنا: ويجب عليه قضاء العمرة؛ لجواز أن يكون أفسدها، ولا يجزئه الحج.
قال ابن الصباغ: وعندي أن العمرة إن كانت واجبة عليه.... فلا يجزئه، وإن لم تكن واجبة عليه.. فلا يجب عليه قضاؤها للشك في سبب القضاء.
فإن شك: هل طاف محدثا أو متطهرا؟ لم يلزمه شيء؛ لأن الشك في العبادة بعد الفراغ منها لا يؤثر فيها.

.[فرع: طلب النية للطواف]

وإذا أراد أن يطوف.. فهل يفتقر إلى النية؟ ينظر فيه:
فإن كان الطواف نافلة أو طواف نذر.. افتقر إلى النية وجها واحدا؛ لأنه قربة تتعلق بالبيت فافتقر إلى النية، كالصلاة.
وإن كان طواف العمرة أو طواف الإفاضة في الحج.. فهل يفتقر إلى النية؟ فيه وجهان:
أحدهما: يفتقر إلى النية؛ لأنه عبادة تفتقر إلى البيت فافتقرت إلى النية، كالصلاة.
والثاني: لا يفتقر إلى النية؛ لأن نية الحج والعمرة تأتي عليه كما تأتي على الوقوف.

.[فرع: استحباب الاضطباع لطواف يعقبه سعي]

ويستحب لمن أراد أن يطوف للنسك (أن يضطبع) وهو: أن يشتمل بردائه من تحت منكبه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء فوق منكبه الأيسر، ويكون المنكب الأيمن
مكشوفا. وهو مأخوذ من (الضبع) وهو: عضد الإنسان، وكان أصله: الاضتباع، فقلبوا التاء طاء. والأصل فيه: ما روى ابن عباس: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قدم مكة وأراد أن يطوف، قعدت له قريش في الحجر؛ لينظروا طوافه وقالوا: إن حمى يثرب قد أنهكتهم.. فاضطبع النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمرهم فاضطبعوا، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، وقذفوها على عواتقهم، ورملوا» وذلك لإظهار الجلد والقوة للمشركين.
قال الشافعي: (ويترك الاضطباع حتى يكمل سعيه).
قال أصحابنا: فإذا فرغ من الطواف.. حل الاضطباع ليصلي ركعتي الطواف، وغطى منكبه؛ لأن الصلاة موضع خشوع وخضوع، وليست مما يظهر فيها الجلد. فإذا فرغ منها: أعاد الاضطباع للسعي. وقد بين الشافعي ذلك في موضع آخر، وقد روي عنه: (حتى يكمل سبعه) يعني: طوافه.

.[فرع: كون الطواف سبعة أشواط وكراهية تسميته بغير اسمه]

ولا يجزئه الطواف حتى يطوف سبع طوفات، فإن ترك طوفة أو طوفتين لم يعتد بالطواف حتى يكمل السبع، سواء كان بمكة أو خارجا منها، ولا ينجبر الدم. وبه قال مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: (إذا طاف أربع طوفات، فإن كان بمكة.. لزمه الطواف وإن خرج منها.. جبره بالدم).
دليلنا: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف بالبيت سبعا» وقال: «خذوا عني مناسككم» فعلم أنه أراد بذلك: بيان الطواف الذي ورد به القرآن مجملا. ولأن الطواف عبادة تفتقر إلى البيت، فلم يجبر الدم بعض أجزائه، كالصلاة.
فإن طاف في يوم طوفة، وفي يوم آخر طوفة حتى أكمل السبع.. فهل يجزئه؟ فيه قولان، كالقولين في تفريق الوضوء. فلو طاف بعض طوفة فقطع وطال الزمان، فإن قلنا: يلزمه الاستئناف.. فلا كلام، وإن قلنا: يجوز البناء.. فهاهنا وجهان، حكاهما الصيمري:
أحدهما: يستأنف.
والثاني: يبني من حيث قطع.
قال الشافعي: (وروي عن مجاهد: أنه قال: وأكره أن يقال في الطواف شوط ودور). وقال الشافعي: (وأكره من ذلك ما كره مجاهد، وإنما يقال: طوفة وطوفتان وثلاث؛ لأن الله تعالى قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] فسماه طوافا).

.[فرع: الطواف حول البيت والحجروالشاذروان جميعا]

ولا يجزئه الطواف حتى يطوف حول جميع البيت المبني والقدر الذي ترك منه في الحجر. قال الشيخ أبو حامد: وهو ستة أذرع أو سبعة.
فإن طاف في الحجر أو على شاذروان الكعبة.. لم يجزه؛ لأن الشاذروان من الدكة السفلى في البيت.
وقال أبو حنيفة: (إذا طاف حول البيت وترك الحجر.. جاز).
دليلنا: ما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أصلي في البيت، فقال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلي في الحجر؛ فإنه من البيت».
وروي أيضا: أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر.. لنقضت البيت ورددته على قواعد إبراهيم؛ إن قومك لما أرادوا بناء البيت قصرت بهم النفقة فتركوا بعض البيت في الحجر».
قال الشيخ أبو حامد: ولم يرد بقوله: (قصرت بهم النفقة): أنه لم يكن لقريش مال يتمون به بناء الكعبة، وإنما أراد بذلك: أنهم قصرت بهم النفقة الطيبة الحلال؛ وذلك أن قريشا لما أرادت بناء الكعبة جمعت مالا عظيما، فخرج عليهم ثعبان ومنعهم من البناء، فتشاوروا، وقالوا: إن لهذا البيت حرمة، وإن الله طيب، وإنه لا يقبل إلا الطيب من أموالكم، فجمعوا الطيب الحلال من أموالهم، فقصر بناؤهم عن قواعد إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فأخرجوا بعض البيت وجعلوه في الحجر.
وفي رواية أخرى: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة: إن شئت أريتك القدر الذي أخرجوه من البيت، حتى إن أراد قومك أن يبنوه.. بنوه عليه "، قالت: فأراني نحوا من سبعة أذرع».

.[فرع: الطواف ماشيا أوراكبا أو محمولا]

والأفضل أن يطوف ماشيا؛ لأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف ماشيا في أكثر طوافه. ولأنه إذا طاف راكبا.. زاحم الناس وآذاهم بدابته، ولأنها ربما راثت في الموضع فتنجسه. ولأن القيام في العبادة أفضل من القعود.
فإن طاف راكبا.. جاز، سواء كان لعذر أو لغير عذر.
وقال مالك وأبو حنيفة: (إن طاف راكبا لعذر.. فلا شيء عليه، وإن كان لغير عذر.. فعليه دم).
دليلنا: ما روى جابر: «أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا على
راحلته؛ ليشرف على الناس، وليسألوه».
فبين أنه طاف لذلك. ولأنه فعل من أفعال الحج، فإذا فعله راكبا.. لم يجب عليه الدم، كما لو كان له عذر، أو كما لو وقف بعرفة راكبا.
فإن حمل محرم محرما ونويا الطواف، وطاف به.. لم يجزه عنهما، ولمن يكون الطواف؟ فيه قولان:
أحدهما: يقع عن المحمول؛ لأن الحامل آلة له، فهو كالراكب.
والثاني: يقع عن الحامل. قال ابن الصباغ: وهو الأظهر؛ لأن الفعل وجد منه.
وقال أبو حنيفة: (يجزئ عنهما).
دليلنا: أنه طواف واحد، فلا يجزئ عن طوافين، ولا ينتقض بالحامل في عرفة؛ لأن الوقوف لا يعتبر فيه الفعل، وإنما يعتبر فيه الكون هناك، وقد حصل الكون منهما فيها بخلاف الطواف.